English
القائمة

التعلم المؤسسي
Governance
الحوكمة المحلية
الحماية والدمج
الابتكار والفرص

لقاء عبر سكايب مع أطفال من مخيم جباليا بغزة

لقاء عبر سكايب مع أطفال من مخيم جباليا بغزة يوم 2/ 11/ 2017

نشَرَتْ ‘ورشة فلسطين للكتابة’ برام الله عام 2015 كتابي الأول من سلسلة ‘حكايتي مع الكلمات’ والذي اخترتُ فيه 18 كلمة حكيت ما تعنيه لي تلك الكلمات عبر قصص وخبرات وتأمُّل، واجتهاد وفق الحكمة. الكتاب موجَّه لكل الأعمار لكن بشكل خاص لمن هم بين 10 و20 سنة. شجّعْتُ القراء في نهاية الكتاب أن يحكوا حكاياتهم مع كلمات كان لها وقعٌ مؤثِّر في حياتهم. أجمل ما مررتُ به مع الكتاب لقاء عبر سكايب مع أكثر من 30 طفلا وطفلة (11 - 14 سنة) من مخيم جباليا بقطاع غزة، بطلبٍ منهم. رتّب اللقاء مركز الطفل بمؤسسة القطان بغزة. عرّفتُ بنفسي وقلتُ أن أهم ما يحمي الإنسان على الصعيد الفكري-الإدراكي هو الشراكة بتكوين معنى لكلماتٍ يستعملها، لذا أود أن أسمع منهم عن كلمات شاركوا بتكوين معنى لها. "أفنان" أول طفلة حكت قصتها: "أنا من مخيم جباليا عمري 11 سنة. عندما كنتُ صغيرة، كنت أراقب الفتيات الجميلات وأقول لنفسي: لم لا أكون مثلهن جميلة؟ كُنَّ يهزان منّي؛ لأنهن أجمل مني. في يوم، سأَلَتْ المعلمة: ماذا يعني الجمال؟ لم ترفع أي طالبة يدها إلا أنا. قلت: "تعرفون جميعا أنني بنت قبيحة، لكن لاحظتُ أني عندما أتكلم، ينتبه الذين حولي لما أقوله؛ مما أشعرني أن جمالي يكمن بكلامي وفكري، وليس في الحُلِيّ. صفّقت الطالبات وعبطتني المعلمة، رغم أني لم أكن واثقة من كلامي." قولُ أفنان جلب دمعًا بعينيّ. سألتني أفنان قبل أن تجلس: "هل هذا ما تريد؟" قلت: "بل من أجمل ما سمعتُه بحياتي". قصة "أفنان" كما رَوَتْها تتوافق كليا مع مشروع "العيش بحكمة" بمؤسسة جُهُد، حيث نبني بشكل أساسي على ما يمكن أن يفعله الناس بأنفسهم. سألتُ بنهاية اللقاء عن الفرق بين تعلُّم وتعليم. قام طفل وقال:"اسمي محمد 13 سنة من جباليا. التعلم شيء أفعله لنفسي؛ التعليم شيء يفعله آخرون لي ". يا إلهي! لخص ذلك الطفل ببضع كلمات ما لا نجده بمجلدات كتبها تربويون عالميون يعتقدون أن التعلم ينتج عن تعليم نظامي، ولا يحتاج إلى أتربة حية غنية! إلى جانب أطفال غزة، جلب كتاب "حكايتي مع الكلمات" انتباه عالمة الأحياء المرموقة بالأردن، الدكتورة ’رنا الدجاني‘، التي أسست عام 2006 برنامج "نحن نحب القراءة"، حيث أخذَتْ الكتاب لوزارة الثقافة الأردنية، وحثّتهم على طباعة 3000 نسخة، وبيعه بسعر مخفّض ليكون ممكنا لدى أي طفل يرغب بشرائه. وتمّ ذلك فعلا.

البيان والتبيين في مشروع العيش بحكمة

البيان والتبيين كلمتان اختارهما الجاحظ قبل 1200 سنة عنوانًا لكتابه، تمثّلان جوهر ما يمثل لغة حية، وجوهر المعرفة والفنون والفهم، وما يُظْهِر الشخص مما يختلج وينضج بداخله. ما نسعى له بالمشروع هو كون البيان والتبيين جوهر تحادثنا ومساهماتنا بالصفحة المخصصة للمشروع بموقع جُهُد الإلكتروني. ينتزعنا البيان والتبيين من كوننا ببغاوات نعيد ما يأتينا من مصادر ليست منا، على أمل أن تذكرهاتان الكلمتان (اللتان تشكلان كنزا هائلا) وتلهما مُدرّسي اللغة العربية بدمجهما في تدريسهم لها.

جُهُد القلب النابض في المجتمع الأردني

ما تحتاجه المجتمعات بالجذور فُسَحٌ ومجاوراتٌ تنبض بالحيوية، وتتغذى مِنْ أتربة حيّة غنية متنوعة متعافية، وتُغَذّيها. أشعر أن مؤسسة جُهُد مهيأة لهذا، إذ معظم ما نحتاج إليه متوفر بالمراكز. أنظرُ لجُهُد كالقلب النابض بالمجتمع الأردني. المراكز ليست مقيدة بنظام عالمي ودوغما صارمة كما بالجامعات والمؤسسات عامة، بل مرتبطة بالمكان والسياق الموجود فيهما كل مركز. المراكز ليست نسخًا عن مؤسسات جاهزة مستوردة، بل نابعة من الواقع الموجود فيه كل مركز. خلال 10 سنوات (1997-2007) أدرتُ خلالها ’الملتقى التربوي العربي‘ الذي أنشأتُه بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد، زرتُ 29 دولة (14 عربية و15 غير عربية) وعملت مع أشخاص ومجموعات وجامعات. لم أشهد بأيّ منها شبيها لجُهُد التي تحمل في طياتها (بشكل ظاهر أو كامن) روح تغذية متبادلة تمثل جوهر الحياة وجوهر التعلم.

ماذا نعني ب"العيش بحكمة"؟

لا يوجد لتعبير "العيش بحكمة" (كما لكلمات كثيرة ترتبط وتنبع من الحياة والواقع الموجود بالخليقة) تعريف. توجد معانٍ تنبع من تأمل واجتهاد، وترتبط بالسياق والتعامل معه، وتظهر في أسلوب حياة الشخص أو المجموعة. تعدد معنى أي كلمة هو سرّ الحكمة التي تعتبر كل شخص مصدر معنى نابع من تأمل واجتهاد. الشراكة بتكوين معنى وبيان تشكل أعمق أنواع الديمقراطية: ديمقراطية المعنى. فتكوين معنى هو جوهر الإنسان وجوهر المعرفة والبيان، وجوهر مسؤولية المرء وكرامته.

لا أمل للبشرية في البقاء دون استعادة الحكمة في حياتنا اليومية

يبدو هذا القول بعيد المنال وغير واقعي، لكن العيش بحكمة لا يحتاج لنظريات وخبراء وورش وتدريب وميزانيات، بل لاندماجٍ بالحياة وشفاءٍ من المدنية المهيمنة والسير وفق الطبيعة الشافية الموجودة فينا وحولنا بالخليقة. المجاورة هي الأداة الأعمق للتعلم كقدرة موجودة فينا بالفطرة، والوسيط الطبيعي للعيش بحكمة. وتشكّل الضيافة والصبر والأمل والإيمان والعمل، معا، روح العيش بحكمة. كما تشكل الأتربة الحيّة الغنية المتنوعة المتعافية مضمون العيش بحكمة. تتطلب هذه المكونات استعادة المحادثة كجزء يومي في كل مركز؛ واعتبار ما يحسنه الشخص (ما يفعله بكفاءة، ويتضمن جمالا ونفعا وعطاء واحتراما) مصدر قيمته، وفق قول الإمام علي: قيمة كل امرئ ما يحسنه. من هنا، ينطلق العيش بحكمة بتكوُّن مجاورات من مريدين ومرادين حول ما يرغبون فِعْلَه بحيث لا يتناقض مع الحكمة؛ كما يشكّل البدءُ بصياغة السيرة الذاتية (نقيض CV) جزءا هاما من العيش بحكمة. وأخيرا وليس آخرا، يشمل العيش بحكمة تحكُّم الشخص بما يدخل عقله وقلبه وأمعاءه ووجدانه وعلاقاته.

مركزية الشفاء بمشروع "العيش بحكمة"

لا ينطلق المشروع من السعي لإجراء تغيير وتطوير وتقدّم بل، كأساس، السعي لشفائنا من فيروسات غزتنا وعشّشت بعقولنا وإدراكنا ووجداننا، وبالعلاقات فيما بيننا ومع الطبيعة والحضارة من حولنا، إذ إذا بقيت الفيروسات داخلنا ستبقى تنهشنا وتخربنا وتهزمنا من الداخل دون وعيٍ منا. عبّر الشاعر اللبناني ’خليل حاوي‘ عن هذا بقوله: "وجحيمي في دمي كيف الفرار؟" وضع "ماكولي" الإنكليزي عام 1835 استراتيجية لنشر هذه الفيروسات بدءا من الهند، بهدف السيطرة عليها؛ ثم انتقلَتْ لمناطق أخرى بما فيها منطقتنا. فيما يلي أمثلة لفيروسات خبيثة، وكلمات بمثابة بكتيريا شافية. الشفاء من تقييم عمودي خبيث يقيس قيمة المرء برقم أو رمز أو تصنيف عبر استعادة الكلمة الطيبة "ما يحسنه" كمصدر قيمته؛ والشفاء من المنطق الثنائي الخبيث (الذي يُدرَّس بمادة الرياضيات حول العالم)، عبر استعادة منطق المثنى الموجود بلغتنا (وليس موجودا بأي لغة أوروبية)؛ والشفاء من CV عبر استعادة السيرة الذاتية (نقيض CV التي تُعتَبَر رديفا بالخطأ)؛ والشفاء من كوننا مواطنين عبر استعادة أهالي؛ والشفاء من مدنية عبر استعادة حضارة؛ والشفاء من ادعاء امتلاك حقائق عبر استعادة الحكمة؛ والشفاء من التركيز على حقوق عبر استعادة الكرامة؛ والشفاء من البدء باحتياجات عبر استعادة المقومات كأساس؛ والشفاء من معانٍ تدّعي الأحادية والعالمية عبر استعادة تعدُّد المعنى؛ والشفاء من المدنية المهيمنة عبر استعادة الحضارة العربية الإسلامية كمرجع ومعيار وحاضنة للحكمة التي ميزت حضارتَنا عبر بيوت حكمة من الهند وإيران شرقا حتى الأندلس وفاس غربا. من هذا المنطلق، نشجّع كل شخص في جُهُد، وخاصة في مشروع "العيش بحكمة" أن يتأمل بما يمر به في حياته، ويجتهد في صياغة بيان يبيّن ما ينضج بداخله.

الطبيعة الشافية والمناعة في الجذور

فلاحو بلاد الشام منذ آلاف السنين يزرعون شجر ‘لوز مُرّ’ ثم يركّبوا عليه ما يحلو لهم من فاكهة إذ عندها يضمنون توفُّر مناعة بالساق والجذور، تحمي ما يزرعونه من التسوس والمرض. إلى جانب شجر اللوز، اعتمدوا على دودة الأرض في تغذية الجذور وحمايتها لضمان عافية التربة والشجر والبشر. نستعمل بعصر "التقدُّم" نستعمل مبيدات لا تقتل فقط ما هو حي بالتربة، بل تقتل أيضا النحل الذي ينقل الحياة من زهرة لأخرى. تنطبق هذه الحكمة على الثقافة والفكر والإدراك والعلاقات المهيمنة المليئة بفيروسات ضارة لا نعيها، بل نحتضنها ظنًّا منا أنها أرقى. تشكّل الحضارة العربية الإسلامية، المليئة بكلمات ومقولات طيبة تستمد معانيها من الحياة، المناعة الذاتية التي تغذينا وتحمينا وتشفينا من أوهام وخرافات تنشرها المدنية المهيمنة، بحيث تكون بمثابة الساق التي تُشعرنا بأمان يجعلنا نركّب "فواكه فكرية" من حضارات أخرى دون خوف؛ توسّع إدراكنا دون سلب مقوماتنا. الأساس في كل هذا هو العناية بالأتربة، فإذا كانت حية غنية مغذية، وتشكل الواقع الحقيقي، عندها نضمن عيشنا بعافية. بعبارة أخرى، "الساق" التي تحمينا على الصعيد الثقافي المعرفي هي الحضارة العربية الإسلامية التي جدلت أنسجة بين حضارات وثقافات من الهند وإيران شرقا حتى الأندلس ومراكش غربا بخيوط من الحكمة. تتمثل هذه الحضارة بكلمات ومقولات طيبة شافية. أشجع في زياراتي للمراكز أن يجمع كل شخص كلمات شافية يعيشها ويرغب بمشاركتها مع آخرين.

أفكار قصيرة وسريعة

قوة غزة تكمن في أنها مجاورة من مليوني شخص عبر عشرات السنين.

بدل التقدم والتطور والتغير والتحرر نستعيد العيش بحكمة

بدل التركيز على تفكير نقدي تحليلي، نستعيد التفكير التأملي الاجتهادي كعمود للعيش بحكمة

من يخرِّب سيارة يُعَدُّ مجرما، بينما من يُخرِّب الطبيعة يُعَدُّ عالِمًا... ما رأيك؟

  • Back to top