نسير بمشروع "المجاورة على طريق العافية" وفق رؤية لا أهداف. الأهداف شيء نسعى لتحقيقه بالمستقبل؛ الرؤية نبدأ العيش وفقها منذ الآن. تتألف رؤية المشروع من ثلاثة مكوّنات: مجاورة عافية أتربة. المجاورة روح المجتمع واللبنة العضوية بِبُنْيَتِه والوسيط الأعمق للتعلم؛ العافية القيمة التي لا نناقضها بأفعالنا؛ الأتربة مضمون الحياة. المدنية المهيمنة استَبدَلَت الواقع الحقيقي بواقع مُصنَّع، والمجاورة بمؤسسة، والعافية بقيم السيطرة والفوز، والأتربة بأبجدية.
نسير في جُهُد على ساقين، ساق ترتبط بواقع مُصَنَّع، يحتاجه معظم الناس لاكتساب مهارات ومعارف تقنية يحصلون عبرها على عمل يدرّ لهم دخلا يعيشون منه، وساق ترتبط بواقع حقيقي جوهره أتربة حيّة غنية متنوعة متعافية موجودة بالخليقة نعيش وِفْقَها إنسانيّةً خارج إملاءات مؤسسات ومهنيين وأكاديميين وخبراء، وخارج تقييمات ومقاييس عمودية. مشروع المجاورة يوطّد علاقة جهد بالواقع الحقيقي مما يتطلب لغة وكلمات تنبع معانيها من الحياة ومن تأمّل واجتهاد. ما نسعى له بالعمق ليس تغييرا بل شفاءً وتذكيرًا، واستعادة ما هو جوهري، لكن مغيَّب.
من بين ما نركّز عليه في المشروع (والمُغيَّب جميعُها): معرفة الذات والتي تشمل معرفة ما يحسنه المرء ومعرفة قدْر نفسه؛ الواقع الحقيقي؛ التعلُّم (كقدرة عضوية موجودة فينا منذ الولادة، كالتنفس والهضم)؛ الحكمة؛ الكرامة؛ التأمل والاجتهاد؛ التحادث؛ الأمل؛ المثنى؛ التمييز بين ما هو طيب وما هو خبيث، وبين ما هو وفق الوفرة وما هو وفق الندرة؛ تربية التي ترتبط حرفيا وفكريا بتربة وأتربة؛ والحضارة العربية الإسلامية كمنهل أساسي بالجذور... والقناعة بأن كل إنسان مصدر معنى وبيان.
قولٌ حكيم: "إذا تمّ كسرُكسرُ قشرة بيضة من الخارج، فإنّ حياتها قد انتهت، وإذا كُسِرَت من الداخل، فإن هناك حياة قد بدأت." إذا جاء خبير ونَقَر عقولنا بكلمات ونظريات ونماذج وحلول جاهزة من الخارج، سيقتل الحياة فينا ويخلق بلادة بالذهن والإدراك والسلوك والعلاقات. بالمقابل، إذا انتبه كلٌّ منا للواقع الذي يعيشه وتأمَّل فيه واجتهد في تكوين معنى وبيان فإن حياة جديدة قد وُلِدَت. المجاورة تنقر من الداخل القشور الفكرية واللغوية التي تُكبّلنا، فتُخرجنا إلى فضاء واسع نسترجع عبره عافيتنا وروحنا والأتربة التي تُغذّينا ونغذيها.