English
القائمة

التعلم المؤسسي
Governance
الحوكمة المحلية
الحماية والدمج
الابتكار والفرص

توضيحات حول المدونات

توضيحات حول المدونات المتعلقة ب"مشروع العيش بحكمة"

توضيح أول: الرؤية التي يسير وفقها مشروع "العيش بحكمة" بمؤسسة جُهُد (كما ذكرتُ بمدونة سابقة) مؤلفة م).

توضيح ثاني: أستعمِل كلمة "قبيلة" إشارةً للمدنية الأورو-أمريكية، للتأكيد أنها ليست عالمية رغم ادّعائها العالمية؛ ادّعاءٌ قبلناه بسذاجة حيث نصدّق أن معانيها ومعارفها عالمية، بينما ترتبط فعلا بأيديولوجية تحكمها قيم العنجهية والسيطرة والفوز والجشع، التي معا تؤدي لتخريب وتمزيق ن المجاورة كوسيط، والعافية كقيمة، والأتربة الحية كمضمون الحياة (أرضية مجتمعية ثقافية معرفية روحية وجدانية حضارية اقتصاديةالحياة. بعثتُ عام 2010 بإيميل للجامعات الفلسطينية اقترحتُ فيه إنشاء بيت حكمة لعشرة طلبة يرغبوا بالسير على طريق الحكمة. لم يردّ أحد. غالبا، نظروا للاقتراح عودة للوراء. الوحيدة من بين الذين بعثتُ لهم الاقتراح رأت قيمة له كانت ’نبال ثوابته‘ رئيسة صحيفة الحال بجامعة بيرزيت، ونشرَتْه بالصحيفة يوم 1/ 2/ 2011.

توضيح ثالث: نتجنّب، بكلامنا في المشروع، كلمات وأفكار مصممة ضمن القبيلة، ونستعمل بدلا منها كلمات وأفكار نَمَتْ ضمن الحضارة العربية الإسلامية كمرجع وملاذ، حيث كانت أكثر حضارة جدلت أنسجة بخيوط من الحكمة بين حضارات وثقافات من الهند وإيران شرقا حتى الأندلس ومراكش غربا، حضنَتْ روح ضيافة عميقة بمعنى الترحيب بأية رؤية مهما بَدَت غريبة. ذكرتُ بمدوّنة سابقة استبيانا حول مَمِن الشعراء بيعت كتبه الأكثر بالولايات المتحدة عام 1997، فبينما يكافح شعراء حائزون على Pulitzer Prize لبيع 10 آلاف نسخة، بيعَ أكثر من ربع مليون نسخة لكتابٍ للرومي؛ مما يعكس جوعًا روحيًّا هائلا لدى الأمريكيين. باختصار، حضارتنا غنية بالحكمة والنواحي الوجدانية والروحانية؛ نواحٍ العالم بأشد الحاجة لها بالوقت الحاضر.

توضيح رابع: مشروع العيش بحكمة لا يقدّم شيئا جديدا ولا مستوردا ولا نظريات ولا نماذج جاهزة نسعى لفرضها على أحد. سيؤدي المشروع لحكاية حول العيش خارج إملاءات القبيلة ونمط الاستهلاك؛ حكاية تذكّرنا بأن معظم ما نحتاج له متوفّر لدينا (كأشخاص ومجتمعات وثقافات وطبيعة وحضارة)؛ حكاية تذكّرنا بكيف نعيش وفق مبدأ الوفرة لا الندرة.

توضيحٌ خامس: لا أدّعي أن ما أكتبه حقائق عالمية، بل نتيجة انتباه مستمر للواقع الذي عشتُه وعملتُ فيه، مدى عقود، وتأمّلتُ واجتهدتُ بتكوين معنى وبيان له، يتوافقان مع العافية. ستتضمن أغلب المدونات قصصًا عشتُها. لم أتوقّف منذ 1971 ونتيجة حرب 1967، عن سعيي لانتزاع نفسي من كوني ببغاء ونسخة عن القبيلة. بدأتُ أكوّن معانيّ وفهمي وبياني عبر اندماج بنواح حياتية، خاصة فيما يتعلق بالتعلم والتعليم والمعرفة. خلال الخمسين سنة، صرفتُ يوميا ساعات أتأمّل بما أمرّ به، وأجتهد بتكوين معنى وبيان له – أكثر بكثير مما صرفتُه بالقراءة. القراءة التي لا يرافقها فِعْلٌ وتحادث وتأمل واجتهاد، تؤدي إلى تخمة بالدماغ وعُسْرٍ بالفَهْم، تماما كما تؤدي كثرة الأكل لَعُسرٍ بالهضم. وَقَفَ الحلاج قبل ألف سنة بساحة في بغداد، حشى نايًا بقماش وأخذ يعزف. لم تخرج أنغام عذبة. أخرجَ القماش وعزف، خرجت أنغام جميلة. قال: "هذا ما يحدث للعقل؛ إذا حشوناه بمعلومات كثيرة لا يقدر على تكوين معنى وفهم". التعليم النظامي والأكاديمي حشو حشو حشو؛ نخرج بمعلومات كثيرة، لكن دون فهم.

قصتان تتعلقان بعملي مع معلمات وأمهات وطالبات بمخيم شعفاط

القصة الأولى تجسِّد معنى المجاورة وحكم الذات

عملتُ بمخيم شعفاط سنتين (2009-2011) مع معلمات وأمهات، كما مع طالبات في الصف السابع حيث بدأنا بفلاحة أرض بحديقة المدرسة من أجل زراعتها، ثم مع 8 طالبات منهن رغبن بعمل شيء بالنسبة لوزنهن الذي لم تكنّ راضيات عنه. سأبدأ بالقصة مع الطالبات الثمانية. قلت: "لنلتقي أيام السبت من كل أسبوع، ولِتَقُم كل طالبة بتسجيل كل ما تأكله خلال الأسبوع الفائت، وتشارك الأخريات بما أكلته وما تقرر ستغيره في الأسبوع الذي يليه. إذا استهلكت مثلا 10 علب مشروبات غازية بالأسبوع، ربما تقرر أن تشرب فقط 6 بالأسبوع اللاحق، أو إذا أكلت 15 رغيف خبز، ربما تقرر تخفيض ذلك ل 9 بالأسبوع التالي". مثال رائع لمعنى مجاورة حيث تكوّنت بإرادة ذاتية من مريدات ومرادات وليس بالتعيين. لا معنى ضمن المجاورة لصواب وخطأ من سلطة خارجة عنهما، ولا أجوبة جاهزة، كما لم تكن هناك تراتبية من أي نوع داخلها؛ كل طالبة حكمت ذاتها، وقررت بذاتها ما تأكله وما ترغب بتغييره. لم يكن هناك تقييم، كل طالبة هي صاحبة الشأن في تنظيم حياتها أي مرجعية نفسها؛ لم تكن هناك حاجة لأن يكذبن. كان وجودهنّ معا حافزا لمتابعة العمل على تخفيض أوزانهن كما كانت تحدث أمور أضحكتهن. أي كنّ يستمتعن بالعمل معا. لم توجد سيطرة من أي نوع داخل المجاورة، أو من خارجها؛ كنّ الوسيط والمرجع والمعيار، وصاحبات قرار. بلقاءاتنا أيام السبت، كل طالبة حكت قصتها بالشكل الذي ترتئيه؛ فالمجاورة تختلف عن ورش عمل وبرامج تدريب. لم نستطع أن نستمر لمدة طويلة (بسبب دخول الجيش الإسرائيلي للمخيم لفترة متواصلة؛ مما جعل اللقاء صعبا)، لكن كانت المدة كافية حيث كان بإمكانهن المتابعة دون حاجة لمدرس ومواد جاهزة وتقييم. كل ما يحتجن له متوفر لديهن: يلتقين ويكملن المشوار. جمع العمل ناحيتين جوهريتين بحياة الإنسان: تغذية الجسم وتغذية الفكر وتكوين معرفة وتغذية العلاقات (بينهن ومع الطبيعة) وتغذية القلب. شملت المجاورة بطبيعتها العمل مع التربة الأرضية والمجتمعية والوجدانية. ولعل أهم ما ميّز المجاورة كان حكمهن لأنفسهن على الصعيد الشخصي والجمعي. بعبارة أخرى ارتبطت المجاورة بالعافية والتعددية والأتربة؛ باختصار، بالعيش بحكمة. ارتبطت فكرة التغيير بنمط العيش. معظم ما نمر به من مشكلات وأزمات نستطيع التعامل معها عبر استعادة مسؤوليتنا في تدبير أمورنا وإدارة شؤوننا عبر مجاورات تعمل وفق العافية وضمن أتربة. كان ذلك عام 2010. عام 2015، ذهبت لزيارة المدرسة. كانت هناك مفاجأتان جميلتان. كنت دوما أتكلم مع المعلمات والطالبات حول عبارة الإمام علي: "قيمة كل امرئ ما يحسنه". وإذا بي في زيارتي تلك لوحة على باب المدرسة تحمل العبارة. أما المفاجأة الثانية، فكانت حديقة أمام الصفين الأول والثاني، والتي تتعاون فيها المعلمة مع طالبات الصفين. جدير بالذكر أن المزروعات نباتاتٌ تُؤكَل! لا أستطيع وصف شعوري تلك اللحظة. [أرفق صور عن قول الإمام وعن الحديقة]. العيش وفق مجاورات بالمراكز يجسد العيش بحكمة.

القصة الثانية: التمييز بين واقع حقيقي وواقع مصنّع

خلال عملي مع معلمات بالمخيم للصفوف الابتدائية الدنيا، اقترحتُ عليهنّ أن يَختَرْن كل صباح طالبتين أو ثلاثة تحكي كلٌّ منهن بالتفصيل رحلتها منذ تركت المدرسة باليوم السابق حتى عودتها للمدرسة صباح اليوم التالي. الواقع الحقيقي مغيب من المدنية المهيمنة ومؤسساتها إذ التركيز عادة على الواقع المُصنّع كالمدارس والجامعات. نعيش من الصف الأول حتى الدكتوراه واقعا مصنّعا يُخْفي الواقع الحقيقي. حكاية الأطفال لما مروا به منذ تركوا المدرسة حتى العودة إليها في اليوم التالي، هي حكاية ترتبط بواقع حقيقي، وتستعمل لغة حيّة - عكس لغة الكتب المقررة التي لا ترتبط بسياق ولا بمعنى ولا بفعل، ولا تكوّن صورة بالمخيلة. اللغة التي استعملتها الطالبات لوصف ما مروا به من وقت ما تركوا المدرسة حتى عادوا لها هي لغة بيان وتبيين لواقع حقيقي، وليست لغة تسميع، تعيد فيها الطفلة ما قرأته بالكتاب المقرر. أي، في حكايتهن لَسْنَ ببغاوات يقُلن ما لا يعشنه. عبر عمل صغير بسيط كهذا تتم عدة أمور ترتبط بمفهوم الواقع: الطفلة راوية وليست ببغاء؛ تعيش يوميا واقعا حقيقيا يتمثل بالمشوار ذهابا وإيابا حيث تتعرف عبره على ما حولها بطريقتها وحواسها، لا عبر مفاهيم ونظريات. تتعلم عبر انتباه للواقع، وليس عبر ما يُعرَض على لوح. ما تقوله الطفلة أصل، لا نسخة. تجلس بالصف على كرسي ساعات يوميا لا تفعل شيئا سوى الاستماع لكلمات، أغلبها لا يخرج من القلب وبالتالي لا يصل القلوب. بالواقع الحقيقي تستعمل الطفلة حواسها (عينيها أذنيها...) وقدميها؛ تستعمل لغة حية دون تصحيح وتقييم. بالواقع المصنَّع (مثلا داخل الصف)، تتعامل الطالبات مع لغة يحكمها مهني محكوم بقوانين ومدفوع الأجر يكافئها أو يعاقبها. جوهر الحياة علاقات نسعى لصقلها وتعميقها بجُهُد، بدءا بالعلاقة مع الذات، ثم مع المجتمع بثقافاته المتعددة ومع الطبيعة والحضارة. المجاورة تغذي العلاقات، وتحميها وتغذّي مناعتها. استعادة العلاقة مع الواقع الحقيقي تشكل صلب عملنا بمشروع العيش بحكمة.

  • Back to top